أن الدنيا دار ممر لا دار مقر، وأنها معبرة الآخرة؛ فلا تعلق عليها الآمال؛ فهي كسوق انعقد ثم انفض، ربح فيه من ربح، وخسر فيها من خسر، والكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت.
وقد كشف لنا الإسلام حقيقة الدنيا، فقال الله سبحانه وتعالى :
{اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلاَدِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآَخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ}) [الحديد:20].
وروى أبو هريرة -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الدنيا ملعونة، ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه، أو عالما أو متعلما" (رواه ابن ماجه وحسّنه).
كما روى أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه-: "إن الدنيا حلوة خضرة، وإن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون؛ فاتقوا الدنيا واتقوا النساء" (رواه مسلم).
واستمع – حفظكـ الله - إلى قول من قال:
إنّ لله عبـادا فُـطـنا *** طلّقوا الدنيا وخافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا *** أنـها ليست لحي وطنا
جعلوها لُجـة واتـخذوا *** صالح الأعمال فيها سفنا
وما أجمل ما قاله الأستاذ عباس محمود العقاد – رحمه الله- في وصف الدنيا حين قال:
"عجبا لهذه الدنيا، الإنسان فيها لا يرضى حالاً واحداً أبداً، مهما كان حاله...".
فيها صغير يطلب الكبر *** وشيخ ودّ لو صغرا
وخالٍ يشتهي عـمـلا *** وذو عمل به ضجرا
ورَبُّ المالِ في تـعب *** وفي تعب من افتقَرا
ويشقى المرء منـهزما *** ولا يرتـاح منتصرا
أَفَهُم حاروا مع الأـقدار *** أم هم حيروا القدرا؟!
فاجعل همك الوصول إلى مرضاة الله، والفوز بالجنة، وتمثل قوله تعالى: {... فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ} (آل عمران: 185)،
والدنيا مزرعة الآخرة؛ فمن زرع فيها خيرا حصد خيرا، ومن زرع شرا فلن يجنِ إلا ما زرع.
والآن ارفع أكف الضراعة إلى الله، وكرر خلفي هذا الدعاء الذي علمنا إياه سيد الخلق وحبيب الحق محمد صلى الله عليه وسلم:" اللهم لا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تجعل يا ربنا إلى النار مصيرنا".. آمين يا رب العالمين.